الخميس، 3 ديسمبر 2009

جاهلية القرن الواحد والعشرين




عندما نذكر لفظ الجاهلية فإن أول ما يتبادر للعقول البسيطة هو صورة فترة زمنية كانت قبيل البعثة النبوية تتمثل بأشخاص يعبدون أصناما فقط وأن ما غير ذلك لا يعتبر جاهلية ، وهذه النظرة لا ريب بخطئها بالكلية إذ أن ما ذكرناه ليس هو تعريف الجاهلية انما هو صورة من صور الجاهلية وحسب ، ولذلك فإنه يجب على المسلم أن يعرف الجاهلية وصورها حتى لا يكون جاهليا من دون أن يعلم ، ولذلك قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- كلمته الخالدة:" تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " ، والمشكلة الاعظم أنه قد ولد في الإسلام من لا يعرف الجاهلية!.

إن لفظ الجاهلية في الإسلام لفظ واسع ينطبق على:"كل ما يخالف شرعنا في أي زمان ومكان" وهذا ما يوجب استحالة إحصاء صور الجاهلية لأنها في تطور دائم، إلا أنه يمكن للباحث أن يذكر أشهر تقسيم للجاهلية المتمثل بستة أقسام، تندرج تحتها صور كثيرة ، وسأسقط الأقسام على واقعنا لنعلم هل نحن نعيش في جاهلية بالرغم من دخولنا بالقرن الواحد والعشرين أم لا؟!.. وأشهر تقسيم ، هو:-

1- الجاهلية العقائدية: ومن صورها ما صرح به القرآن الكريم عند قوله تعالى:"وتظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية" وهو مجرد الظن أن الإسلام لن تقوم له قائمة ، والجاهلية العقائدية تشمل كل انحراف عقدي عن الإسلام أيا كان ،سواء كان انحراف ملة كأهل الكتاب، أو انحراف مذهب كالرافضة ، أو انحراف فكر كالليبرالية، أو انحراف هوى كرفض الحاكمية . والانحرافات قد يفسق مرتكبها فسقا أكبر فيخرج من الملة الإسلامية وقد يفسق فسقا أصغر فلا يخرج من الملة، وكل ذلك يكون على حسب نوع الإنحراف، وكله جاهلية.


جاهلية عقدية




2- الجاهلية التشريعية:وهي ما صرح بها القرآن الكريم عند قوله تعالى:"أفحكم الجاهلية يبغون" ، وهذه الجاهلية تنطبق على كل القوانين الوضعية وعلى مشرعيها والمتحاكمين لها، وتصل هذه الجاهلية لدرجة إخراج من وقع فيها من الملة لأن الله عز وجل قال:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ، ولقوله تعالى:"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" وكل القوانين الوضعية تتمثل بصورة الطاغوت الذي يجب على الشخص أن يكفر به وإلا فهو كافر لأن الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله-عز وجل-، وبالتالي فإن النتيجة المنطقية أن من لم يكفر بما يعبد من دون الله -عز وجل- فهو كافر بالله.
جاهلية تشريعية



3- الجاهلية السياسية: ومن صورها الحالية النظام القائم على توارث السلطة وعبودية الأمة لها مع سعي الكثير من أبنائها لإسقاط الشرعية على تلك السلطة وباسم الدين، فأي دين هو ذلك الدين الذي يقر الذل والتبعية لطبقة؟!كفاكم كذبا على الإسلام!

جاهلية سياسية



4- الجاهلية الإجتماعية: ومنها قوله تعالى:"إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" ، وهذه الجاهلية تتمثل بأمور، منها الطبيقية بين الناس سواء كانت بالحسب أو النسب أو المال أو الوظيفة أو الجنسية، ولعل الجاهلية الإجتماعية في وقتنا ينظمها القانون كتفريقه بين الجنسية الأولى وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدساتير تناقض ذلك بنصها على مبدأ المساواة، فأي مساواة تلك التي جعلت طبقة لا هوية لهم وهم البدون؟!

جاهلية اجتماعية



5- الجاهلية الإقتصادية: ومن أشهرها الربا، ولعلك إن خرجت من باب الحرم المكي ونظرت إلى ما يقابله من بنوك تتعامل بالربا أدركت أن الجاهلية في أمتنا قد وقعت حتى في الحرم المكي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السلطات التي تدعي اسم الدولة الإسلامية هي التي تنظم تلك البنوك، فأي اسلام هو ذاك الإسلام الكاذب الذي ينظم للجاهلية باسم دولة الإسلام؟! كفاكم كذبا وخداعا!

جاهلية اقتصادية



6- الجاهلية الأخلاقية:ومن صورها قوله تعالى:"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" ، والتبرج قبل البعثة كان مجرد خروج المرأة بشيء من التطيب أو التجمل، ولعل من يخرج في وقتنا لأقرب سوق استهلاكي يدرك أن الجاهلية الأخلاقية اليوم أشنع بكثير من جاهلية قبيل البعثة!.

جاهلية أخلاقية



*الختام:بعد أن استعراضنا أشهر أقسام الجاهلية وبعض صورها فإنه لا بد للعاقل أن يدرك أن الأمة اليوم تعيش في جاهلية فاقت بعض صور جاهليتها ما قبل البعثة، لكن السؤال المطروح: هل ما زال البعض يشكك بوجود جاهلية لأننا بالقرن الواحد والعشرين؟! إنني لا أتردد بالقول أن ذلك لا يقوله إلا من أصيب بجنون أو عته يستلزم إقامة الحجر عليه!.




*ملاحظة: هذا المقال نشرته في جريدة الحركة بتاريخ 5-3-2008

مع تحياتي .. المحامي

هناك 9 تعليقات:

Catism القطويّة يقول...

صدقت وبررت.
وأضف إليها "جاهلية الجهل".
أي أن يجهل الجاهل أنه في جاهلية!

المحامي يقول...

يا هلا أختي القطوية .. وجاهلية الجهل التي تفضلتي بذكرها ينطبق عليها قول الشاعر:-
إن كنت تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

أسعدني مرورج :)

غير معرف يقول...

المقال رائع ولكن تظهر فيه حدة الكاتب وشخصيته التي تميل إلى العنف ، وسيد البشرية عاش في بيئة الربا والزنا والخمر وعبادة الأصنام فتدرج بوحي من الله عز وجل حتى أيقض الله به أمة كانت خير أمة أخرجت للناس

(أزاهير)

المحامي يقول...

يا أهلا بالاستاذة الفاضلة أزاهير ..
أنا فعلا حاد الطباع ، لكن مو عنيف :)
وأتصور أن هناك فرق كبير بين جرأة الطرح والعنف
*وحضرتج تفضلتي بذكر ملاحظة هامة وهي سنة التدرج ، لكن أكثر ما ينبغي إدراكه حول ذلك أن هناك أمور ليس فيها تدرج بل لا بد فيها من المفاصلة ، خذي -مثلا- استحلال القانون التجاري للربا ، فهذا كفر بواح ، فلا يراعى به التدرج ، كما أن مراعاة التدرج بعد اكتمال الشريعة أمر خطير لا يتناوله إلا فقهاء مجتهدين لأن هناك أحكام خطيرة تترتب على ذلك ، ومن ذلك أنه لو أسلم اليوم مدمن خمر فهل نقول له اشرب الخمر ثم اجتنبه إن أردت الصلاة ثم نحرمه عليه بعد ذلك مطلقا؟ وفي هذه الحالة نكون راعينا التدرج ، أم نقول له هو حرام مطلقا؟ هنا مكمن خطورة التدرج وقيسي عليها

على كل حال أشكركج على إثارة هذه النقطة الهامة .. تحياتي

BookMark يقول...

إذن للجاهلية ألوان وأقسام.. شكرا على توضيحها،
مقال ممتاز .. استخدمت أدلة واستشهادات قوية وفي مكانها الصحيح .. وفقت
نعم .. بعد هذا المقال .. نحن في جاهلية عظيمة
من أخلاق ومعاملات .. ماأنزل الله بها من سلطان..
ليت ما يطرح هنا يصل إلى من يهمه الأمر

شكرا أخي المحامي .. وفقك الله لما يحب ويرضى

المحامي يقول...

يا هلا ومرحبا بالاستاذة الفاضلة bookmark
المشكلة أختي أن الذي ينبغي عليه أن يهمه الأمر في حقيقة الحال لا يهمه الأمر..
أشكرج على مرورج وتعليقج الراقي
تحياتي

Engineer A يقول...

مقالة موفقة وصائبة ..

والأهم أنها لامست الوتر! لعل الجاهل يفهم!

دمت بود

تقبل مروري

المحامي يقول...

أهلا بالاستاذة المهندسة .. ونتمنى فعلا أن الجاهل يفهم..

والمدونة سعيدة جدا بتواجدج فيها

تحياتي :)

غير معرف يقول...

لدي كتاب اقوم بكتابته بنفس العنوان للمقالة وكنت ابحث اليوم عن مواضيع ذات صلة ووجدت موضوعك وهو جدا ممتاز تحية من القلب لك يا محامي وهل تسمح لي ببضع سطور لا على التعيين من كتابي ان اضيفها هنا وان كانت ليست تعليقا فهي مشاركة معك
(((
هل حان الوقت لكي نترك اللحوم ونتحول الى نباتيين
لان الجزارة تقسي القلب على رأي الغزالي

هل حان الوقت لنعلم ان ثمة فارق بين السقوط الخلقي وبين الزواج
وان الامراض بالاساس هي عقوبات او سجون اصلاحية بمعنى ادق

لماذا اصبح الانسان في المحنة اذل من صرصار على رأي نزار

لماذا علينا كل يوم ان ننسى الم الامس والذي يذكرنا باننا كنا ذات ليلة في مكان نضحك على انفسنا باننا نعيش سعادة زائفة نقول عنها اليوم انها كانت معصية ثم نعود لنقول ياريتنا نعود للامس وكم كان جميلا

من افضل من من؟ مغني وراقصة وطبال في ملهى ليلي تفوح منه الرذيلة؟ ام رجل يحمل كتابا قد اشتراه من السوق باخر دينار في جيبه ليعود الى المنزل بلا عشاء يسمن؟

شاب شعرك وانحنى ظهرك وزاد وزنك وثقلت حركاتك ولا تزال تتأمل أن تسكن في وسط المدينة مع الاغنياء؟

ولماذا تسعى لمجد اساسه دار وسط حي غالب اهله كل فكرهم محصور بالدينار

))
تحياتي لك

المهندس