الأحد، 27 ديسمبر 2009

من كناشتي1 "2010"





قيل لي إن طابع المدونة يتسم بالجدية فقلت لهم "أليس كل إناء بما فيه ينضح؟" ، فهذا موسى بن إسماعيل يقول:"ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا ، كان إما أن يحدث أو يقرأ أو يسبح ، أو يصلي" ، وها هو محدثكم يجلس على مكتبه غاطسا في بحر كتبه يبحث عن اللؤلؤ والمرجان ، وإذا به يتذكر حال أمته ، أمته التي لم تعي قيمة الزمن فأهدرَته كما يهدر الجزار دم القطعان يوم العيد.


وفي حقيقة الأمر نفسي تنازعني بين أن أبارك بحلول عام جديد أم أعزي ، هل أراعي بهجة الناس فأبارك لهم ، أم أقول لهم "يا ابن آدم إنما أنت أيام ، فإذا ذهب بعضك ذهب عمرك" ، فاخترت أن أجمع بين أسلوب الترغيب والترهيب ، وسأقول لهم ولكم نعم ومن القلب نسأل الله أن يبارك العام الجديد -على سبيل الدعاء للمسلمين بالبركة وليس على سبيل المباركة بالكريسمس- ، لكن احذروا :"إن طول العمر حجة" ، وإن أردتم معرفة شرف الوقت ، فاعلموا أن ما فات لن يعود ، وأن الانشغال بضياع الفائت يضيع المستقبل ، فدعوا ما فات وابدءوا بعون الله عاما جديدا منظما مرتبا ، فإن بداية العام تحفز الهمم ، وكان بودنا أن تكون بداية العام الجديد هي بداية العام الهجري ، لكن نظام البلد لا يسير على ذلك ، ولذلك سرنا على التاريخ الميلادي تجوزا ، ودعوني أعرض بعض الأمور بمناسبة حلول العام الجديد..



1-(دورة رتب حياتك للسويدان)

الظحكة نشوفها دوم -إن شاء الله-



ننصح بدورة (رتب حياتك) للدكتور طارق السويدان ، وهي دورة بسيطة ومفيدة جدا بحكم التجربة ، والدورة تطرح أسئلة ، ومن خلال إجابتك عليها تتضح لك خطة حياتك ، وأكثر ما أعجبني بالدورة هو وضع جدول تضع به أدوارك في الحياة ، مثلا"فرد في عائلة – طالب علم – طالب أكاديمي – سياسي – اجتماعي – تاجر ..إلخ" كل شخص يضع أدواره ويضع رؤيته ثم أهدافه في هذه السنة لهذه الأدوار ويضع لها الوسائل ويعلقها بجدول في غرفته ، وعلى كل حال الدورة موجودة على الرابط الآتي:





--------------------------------------------
2-(مشروع القراءة في 2010)

جزء من مكتبتي العزيزة


أنصح بوضع مخطط للكتب التي سيتم قرائتها في العام الواحد ، وعليك أن تجعل 50% من قرائتك في مجال تخصصك الأساسي ، والباقي وزعه على التخصصات المتعددة ، وقد أوشكت أن أنتهي من وضع مخططي العظيم للكتب التي سأقرؤها في عام 2010 والتي انتقيتها من مكتبتي العزيزة ، وسآتي بما لم تستطعه الأوائل..!



------------------------------------------
3-عثمان الخميس ودورة ورثة الأنبياء




3-قام الشيخ عثمان الخميس -جزاه الله خيرا- بإنشاء مدرسة (ورثة الأنبياء) ورفع لها شعار:
العلم يرفع بيوتا لا عماد لها .. والجهل يهدم بيوت العز والكرم

وقد سعدت بالمشاركة في هذه المدرسة التي سيتم فيها تدريس 35 علم ، وفي السنة الأولى سيتم تدريس تسعة علوم هي:1-عقيدة 2-أصول فقه 3-فقه 4-نحو 5-تفسير 6-سيرة نبوية 7-شرح الأربعين نووية 8-تاريخ التشريع 9-منهج السلف

وما زالت الدورة في بداياتها فمن أحب الاستفادة في أحد هذه العلوم فإنني أنصحه بالحضور ، وأما عن بعض الدروس الفائتة فإنه يمكن تداركها بتنزيلها من الموقع الآتي:




ما علاقة دورة ورثة الأنبياء بمطعم subway ؟


مكان الدورة:في مسجد الراشد بجنوب السرة بالقرب من الجمعية و(subway) ،وهذا المطعم بعد أن تنفض الدورة فإن الإخوان بالدورة يهرعون إليه من كل حدب وصوب ، وينون بأكلهم التقوي على إكمال الدروس اللاحقة -نسأل الله لهم قبول النية ودوام العافية- ، وفي الحقيقة أنوي حاليا التعاقد مع المطعم بعمل تخفيضات لطلاب العلم ، لا سيما وأن كمية الاستهلاك كبيرة بسبب الجهد الذهني في الدورة + أن السندويجة الواحدة تحتوي على سبع أنواع من اللحوم والدجاج و23 نوع من الصلصات الطيبة لا سيما south west


بس والله يا جماعة الخير جو علمي يثلج الصدر لمن حضر الدورة ورأى طلاب العلم الذين ما أتوا إلا رغبة في العلم وابتغاء وجه الله ، ولما رأيتهم قلت "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" ، وقد افتقدنا هذا الجو العلمي بالكويت كثيرا..

ملاحظة:يوجد مكان مخصص للأخوات الفاضلات الذين نأمل منهم الاقتداء بأم المؤمنين عائشة في حرصها على العلم

------------------------------------------
4- مذكرات العجيري ومذكرات الطنطاوي


أنصح باقتناء مذكرات تقويم العجيري ، يدون فيها الشخص ذكرياته وينظم بها أعماله ، علها تكون عظيمة بعظمة كاتبها فتكون بعد موته كتابا يقرأ كحال كتاب الطنطاوي المسمى
"ذكريات" فقد دونها الشيخ علي الطنطاوي على أنها مذكرات شخصية ثم صارت فيما بعد كتبا تطبع وتوزع
------------------------------------
5-آخر ما قرأت

*ملاحظة: الكوب الذهبي هو كوب ثمين عزيز علي :) احتسي به أفضل الأعشاب المجلوبة من أنحاء العالم وعلى رأسها "الشاي الأبيض الصيني" على فكرة الكيلو سعره 45 دينار تقريبا "مو شغل الوزة وهالسوالف" ، وكذلك أحتسي به "tea of life special edision" الذي أحضر لي خصيصا من سيلان
لئن كان غيري بالمدامة مولعا *** فقد ولعت نفسي بشاي منعنع

نرجع لموضوعنا ..فإن آخر ما قرأت هو كتيب ((قيمة الزمن عند العلماء)) للشيخ المحقق الجهبذ عبدالفتاح أبوغدة -رحمه الله- ، والكتيب من النوع الذي يقرأ بجلسة واحدة حيث أنه مدون في 124 صفحة ، وتجدون به العجب العجاب ، ومن أراد أن يقرأ وتثور همته فعليه بهذا الكتيب النفيس ، وسأذكر بعض الفوائد التي أعجبتني في هذا الكتاب..
-قال رجل للتابعي عامر بن قيس: كلمني ، فرد عليه"أمسك الشمس حتى أكلمك"

-يقول الخليل بن أحمد:"أثقل الساعات علي ساعة آكل فيها" ، تحياتي لشباب chilis + فريج صويلح + وربع الدوانية الي يتحدون بعض بالمجابيس والمطبق
-مجموع ما ألفه الإمام الطبري هو 358 ألف ورقة .. (waw)

-عدد الدروس التي يحضرها الشوكاني والشيرازي في اليوم الواحد هو 13 درس..!
-شيخ الهند أشرف التهانوي زادت مؤلفاته على 1000 مؤلف..!
-جاء جماعة لمعروف الكرخي ، فأطالوا الجلوس عنده ، فقال ((إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها ، فمتى تريدون القيام؟ )) يعني باختصار"فكونا" :) ، وأمي -الله يحفظها ويطول عمرها- دايما كانت تقولي وآنا صغير:
لا تكثر الدوس ترى الخلان يملونك *** لانت ولدهم ولا طفل يربونك

-يقول ابن الجوزي:"أعوذ بالله من صحبة البطالين" ، تحياتي لشباب الكويت في الدواوين والقهاوي ، ولبنات الكويت في حفلات الاستقبال للحمل وللولادة وللملجة ولما قبل الملجة ولما بعدها وللعرس ولما قبله وما بعده..إلخ "صج أعوذ بالله من هالصنف :) "

-يقول ابن سكينة لتلاميذه:"لا تزيدوا على سلام عليكم" حرصا على طلب العلم وعدم إضاعته بالأحاديث الجانبية ، وعندنا الربع يقعدون نص ساعة يقولون"اشلونك شخبارك ومن يعز عليك والشايب والأهل وولد ولد عم جدتك وخال نسيب عمة أبوك..إلخ" خلاص فكنا كلهم بخير :)
-------------------------------
6-جدول متابعة العبادات
قمت بعمل جدول يشجع على العبادات ، وهو موجود بملف وورد على الرابط الآتي:

خطوات تحميل الملف: ادخل على الرابط ثم اضغط على خانة إظها رابط التحميل ثم اضغط على خانة "اضغط هنا لحفظ الملف" كليك يمين ثم حفظ.

*في الختام أسأل الله أن يبارك لكم أوقاتكم ، وأن تعمروها بالجد والاجتهاد..

تحياتي .. المحامي

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

نحن أحق بالشك من إبراهيم




((دعوة لإعمال العقل))


خلق الله -عز وجل- الإنسان على الفطرة السليمة وشرفه بالعقل الذي هو مناط التكليف ، ومن ثم كلف الله-عز وجل- الإنسان بأن يعمل عقله لكي يصل للحق ، ولما كان العقل البشري بطبيعته مصدر تلقي تتطرقه أفكار تفسد عليه فطرته السليمة كان التشريع الرباني هو المقوم لهذه الفطرة السليمة وعلى أساسه يتضح الحق الذي هو مراد التشريع.

إن قصة إبراهيم -عليه السلام- التي حكاها لنا القرآن عندما كان إبراهيم -عليه السلام- مع إيمانه بالله -عز وجل- حريصا على أن يصل إلى أعلى مراتب الحق وذلك بقوله تعالى:" وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى.قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" ، فإبراهيم -عليه السلام- في هذه الآية لم يشك في قدرة الله -عز وجل- لأنه قال "رب أرني كيف.." ولم يقل "أرني هل" والفرق بينهما واضح ، ولكنه أراد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين المتمثلة بأعلى مراتب الإيمان وهو بهذه الصورة يضرب مثلا أعلى للإنسان بأن يسعى بإعمال عقله إلى أن يصل إلى أعلى مراتب الحق.

إن البحث عن الحق في فترة النبوة كان متمثلا بسؤال واحد ياتي جوابه من المصطفى-عليه الصلاة والسلام- ، وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- صارت خيرية القرون تسفل شيئا فشيئا عما كانت عليه حتى وصلنا لوضعنا الحالي ، وهذا بدوره جعل الوصول إلى الحق يصعب شيئا فشيئا ، فقد قل خيار الناس وكثر فساقهم ، وانتشرت المذاهب والأفكار الفاسدة المنسوبة -زعما- بالدين الإسلامي ، حتى سقطت الدولة الإسلامية وصارت المناهج والأفكار الغربية تُسيَّس في مناهجنا الوطنية عبر وسيلة دس السم بالعسل ، وصارت وسائل الإعلام التغريبية في بيت كل مسلم ، وتم رسميا تنحية الدين الإسلامي عن حاكميته المطلقة ، وجاء زمان الفقهاء الكذبة الذين أخبر عنهم المصطفى -عليه السلام- ، ووصلنا إلى الزمان الذي يصبح فيه الحليم حيرانا ، لا يعلم ما هو الحق ولا أين سبيله!

إن هذا العرض الموجز لمسلسل الانحدار الذي مر بالأمة الإسلامية هو داعي لكل مسلم ان يسعى إلى تقنين الشك بما يتلقاه من أفكار صارت عنده في مرتبة المسلمات القطعية التي لا يعتريها الشك على مذهب إنا وجدنا آبائنا ، وبالرغم من أن أخطر شيء على الإنسان أن يشك بالثقافة التي يتشربها منذ صغره ويهدمها إلا أن وجود العقل يحتم عليه ذلك ، وقد أمر الله مرارا وتكرارا في كتابه الحكيم بالتفكر والنظر ، فالدعوة لإعمال العقل لمن له عقل واجب شرعي لا مناص منه ، وقد أنكر الله على الذين يموتون وهم على عمى قومهم مهتدون ، ولا يبرر للإنسان باطله فساد الزمان فالأقوام التي أهلكها الله-عز وجل- كان فيها الفساد منتشرا ومع ذلك لم يعذروا طالما بلغهم الدين، وإلا فما هو الفرق بينهم وبين البهائم؟!

*إن هناك ملاحظة خطيرة تثبت أن معظم البشر لا يستخدمون عقولهم في الوصول إلى الحقائق ، فلو نظرنا للموحدين في مكة قبيل البعثة لوجدناهم أربعة فقط ، ولو رجعنا لقوم فرعون لوجدنا الذين آمنوا يعدون في الأصابع ، ولو نظرنا للمتشيعين لوجدنا جلهم يثبتون على ما هم عليه وكذا المتسننين ، وكذا النصارى وكذا اليهود وكذا المسلمين اليوم ، إذ هم لولا أنهم وجدوا في أقوامهم لكانوا على عقائد مختلفة بالرغم من كون الحقائق واحدة ، إذا فالقضية ليست أنهم مقتنعون بدينهم بل إنهم ورثوا ذلك دون دراية ، ولذلك تجد الكثير من المسلمين اليوم هم أبعد ما يكونوا عن الإسلام بل وليس لهم من الإسلام إلا اسمه ، وهؤلاء هم الذين نسميهم "المسلمون بالجغرافيا".


*وقفة مع سلمان الفارسي في بحثه عن الحقائق:-
عندما ترك سلمان مسقط رأسه فارس بعد أن كره مجوسية قومه وذهب للشام والتقى بالقساوسة ولم تعجبه ديانتهم قرر الذهاب للمدينة المنورة للالتقاء بالحبيب المصطفى ، وأثناء بحثه عن الحقيقة حملته قبيلة بني كلب التي غدرت به واستعبدته وباعته في المدينة إلى أن وصل للحقيقة التي سكنت لها نفسه ، فقد هاجر وترك قومه ذوي المكانة في فارس واستعبد وبيع مع العبيد ابتغاء الوصول للحق ، فكان في الإسلام رجلا فاضلا ، وكان في بحثه عن الحقيقة مضرب مثال للذين يحترمون عقولهم.


*وقفة مع ديكارت:-
يقول ديكارت في كتابه"تأملات من الفلسفة الأولى":"إنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع الأشياء بقدر الإمكان" ، وديكارت هو أبوالفلسفة الحديثة ، وهو رائد مذهب الشك ، ولا بد من الإطلاع على تراثه الثقافي خاصة ذاك المتعلق بالشك كمنهج لبناء الحقائق.

ديكارت

إن ما أرمي له من وراء ما كتبته ثلاثة أمور :-
1- أن الدين الإسلامي يدعوا إلى الشك الذي تكون نية صاحبه الوصول إلى الحق المقترن بعلو الإيمان ، وليس مجرد التشكيك الذي يبطن صاحبه نية مقترنة بالكفر المتستر.

2- أن فساد الزمان اليوم " من لم يشك فيه لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في العمي والضلال" كما قال الغزالي.

3- أن العلوم والأفكار التي نتلقاها يجب أن ننظر لها بطريقة مختلفة عما كنا ننظر لها يوم تلقيها ، فقد تلقيناها بتصديق لقصور فينا ، فكان الشك فيها هو الأمر الواجب إذا ما اردنا احترام عقلنا ، ومن أراد أن يصل للحقائق فإن عليه أن ينظر لكل الأمور بحيادية وإنصاف دون مراعاة من حوله ، وأن علينا إذا أردنا أن نبني بناءا متينا رصينا في أي علم سواء كان عقيدة أو فقها أو فلسفة أن ننظر لأسس العلم التي عندنا ونشك فيها ومن ثم نعيد بناءها حتى يكون البناء مبنيا على يقين جازم ، وليس وراثة عمياء.

مع تحياتي .. المحامي
ملاحظة:المقال منشور بجريدة الحركة بتاريخ 1-4-2008 مع بعض الإضافات

الخميس، 10 ديسمبر 2009

يا عرب: ما كان أبوكم امرأ ذل..!


لماذا نشبت حرب الفساد بين بطني قبيلة طيء مئة وثلاثين سنة؟ وما هو سبب الحرب البسوس؟ ولماذا نشبت حرب داحس والغبراء؟ ولماذا قَتل عمرو بن كلثوم الملك عمرو بن هند؟ ولماذا بادت قبائل عن بكرة أبيها؟! إنها معاني العزة والكرامة ، إنها المعاني التي تحفظ للفرد صفته كعضو في الجماعة البشرية ، فإذا ما فُقدت انحدر الشخص إلى درك البهائم، وقد تفاوتت الشعوب في تطبيق تلك المعاني، فمنهم من لا قيمة عندهم للكرامة والعزة، ومنهم من يرى شرط ارتشاف الأنفاس هو وجود الكرامة، وقد كانت أمة العرب أعز الأمم في الحفاظ على الكرامة والذود عن حياضها، ولذلك كثيرا ما قالوا:"الدنيةُ أغلظُ من المنية" ، وهذا هو السبب الأعظم الذي جعل مهد الرسالة الخاتمة في تلك الأمة.

ولد النبي –صلى الله عليه وسلم- بين أمة فوضى لا تعترف بالسراة ، والوضع العام أن القبائل الشريفة هي سرية نفسها والفرد العربي الشريف سري نفسه ، وقد كانت العرب في ذاك الوقت أمة المكارم العريضة، لكنها في جانب الحضارات المادية على أسفل القائمة، ولما بعث المصطفى كان عليه عبء كبير في إصلاح حال البشرية على مستوى أمة العرب أولا ثم أمم الحضارات ثانيا، ولكل مرحلة منهم عقبات متفاوتة، والحق أن المرحلة الأولى هي الأشد ، لأن التعامل مع العربي صعب للغاية ، وذلك لأن معياره في قياس الحقائق ليس مبنيا على العقل وإنما على الهوى بسبب الكِبر الأعمى ، فهو يرفض مبدأ الانقياد لأحد غير وثن القبيلة ، والحق أن أكثر مشركي العرب كانوا يعلمون صدق النبي لكن الكبر أعماهم ، وأما مرحلة إصلاح الحضارات الخارجية فلم تكن بصعوبة الأولى لسبب واحد: وهو أن الأمة العربية أصبحت في كفة المسلمين، وإن العرب لم تتصور يوما سحق الفرس والروم بأيديهم، ولذلك انبهر عدي بن حاتم الطائي لما وعده النبي بقصور بابل وكنوز كسرى أشد الانبهار، لأن العرب تعلم الفرق الكبير بينهم وبين الفرس والروم ذوي الحضارات والعدة والأعداد، لكن العرب لما أسلموا كانوا شجعانا لإسلامهم كما كانوا سابقا شجعانا لقبائلهم ، ولذلك هلك كسرى ولم يعد بعده كسرى وهلك هرقل ولم يعد بعده هرقل، وما هلكت تلك الحضارات إلا لأن المعدن العربي وهو أنفس المعادن قد هُذب بالمبادئ الإسلامية ولذلك ساد الأمم ، وإن الحقيقة المسلم بها تاريخيا أن أعداد المسلمين في معاركهم غالبا ما كانت قليلة جدا بالنسبة لأعدائهم لكن كرامة العربي وشجاعته هما السببان الأساسيان لتسطير البطولات في تلك المعارك الغير متوازنة الأطراف ، فالأمر ليس فقط أنهم مسلمون بل أنهم عرب أيضا ، أما الأعاجم فليسوا مؤهلين للدخول في معارك غير متوازنة الأطراف ، وقد سأل رجل النبي:أيكون المؤمن جبانا؟ قال نعم، أما لو سألنا هل يكون العربي الشريف جبانا؟ لقلنا لا، لأنه لو كان جبانا لانتزع الشرف من رقبته ، ولذلك قال المصطفى:"خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" ، تدليلا على أهمية أصل المعدن، وأن الإسلام إنما جاء لقضية صقل المعدن وليس صهره وإعادة تشكيله، فالشجاع في الجاهلية صار أشجع في الإسلام ، أما الجبان في الجاهلية فلم يصبح شجاعا ذا شكيمة ، صحيح أن الإسلام هذبه لكن أصل معدنه به خلل ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر، وهذه هي أهمية المعدن العربي في الإسلام ، وإنني لا أتصور يوما أن الإسلام يبلغ الحد الذي بلغه لو لم يقم على العرب ، إن المكارم التي سطرها أجدادنا العرب في التاريخ الإسلامي هي نفسها التي سطرها أجدادهم في التاريخ الجاهلي لكن مع اختلاف جذري في الوسائل والغايات من جوانب عديدة منها:-
1-أن العربي كان يقاتل من أجل القبيلة أما وفي ظل الإسلام فصار يقاتل من أجل المبادئ التي يؤمن بها
2-وقد كان العرب يفتخرون قائلين عن أنفسهم "بغاة ظالمين وما ظلمنا**ولكنا سنبدأ ظالمين" ثم جاء الإسلام وأمر بالعدل والقسط
3-وكان العربي لا ينقاد إلا للقبيلة أما وفي ظل الإسلام فقد صار يطيع أوامر الخليفة إن كانت من طاعة الله فقط وإلا فلا يلومن إلا نفسه.
وهكذا جاء الإسلام وتمم مكارم الأخلاق وهذب مساوئها، وليس عجبا أن نرى أرخص ما عند المسلم –آن ذاك- رقبته، إنها كانت رخيصة في سبيل القبيلة فما ظنك برخصها في سبيل الله؟، ولذلك لما اتفقت أخلاق الكرامة العربية مع الخصائص الإسلامية قامت تلك الدولة الإسلامية الفذة في أفرادها والتي أدت دورها العظيم في إصلاح البشرية، وهكذا نخلص إلى نتيجة هي أن أخلاق العروبة المتمثلة بالكرامة والأنفة والعزة والشهامة والسخاء والشجاعة والمروءة والنجدة والإقدام من أساس الصفات التي نصرت المسلمين ، فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا..!ولذلك ورد في الأثر:"إذا عز العرب عز الإسلام، وإذا ذل العرب ذل الإسلام"، وهذا مرجعه أن العرب هم ذؤابة الإسلام وشوكته وحملته فإذا ما ذلت ذؤابة الإسلام ذل الإسلام! فلماذا ذل الإسلام وانتهكت حرماته، والقرآن هو هو؟!! إنهم العرب! إن العرب لم تعد عربا! وهذا له آثار عديدة منها:-
1-بعد أن كان العربي لا ينقاد لأحد غير القبيلة في الجاهلية صار العربي اليوم عبدا لحاكمه، وحاكمه عبدا للغرب
2-وبعد أن سير المعتصم جيشا بطش فيه بالروم عندما قالت المسلمة"وا معتصماه"، صار الحكام اليوم أذلة يرون بعيونهم العمياء المسلمات تنتهك حرماتهن شرقا وغربا ولا تهتز لهم شعرة-قاتلهم الله-،وهم يفاخرون بأمجادهم على قومهم، بل ويفاخرون بذلهم وطاعتهم لأسيادهم الغرب، فهم أسياد على عبيد، وعبيدٌ عند أسياد ، ويفاخرون بأنهم "آل فلان"، وهم في الحقيقة آل ذل وخزي وعار
3-وبعد أن كان العربي يقول:" لا تسقني ماء الحياة بذلة ** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل" صار العربي يقول:"بل فاسقني ماء الحياة بذلة**ولا تسقني بالعز كأس الحنظل"
4-وبعد أن كان العربي المسلم يصدع بكلمة الحق أمام أعظم خليفة ، صار العربي المسلم لا يصدع إلا بأنه تابعا للحكام وأنه معهم أصابوا أو أخطئوا وباسم الدين وطاعة ولي الأمر، ولسان حالهم يقول":دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي" يبيعون كرامتهم للقمة عيشهم تماما كالبهائم التي إن أطعمتها علفا توددت لك، وحكامهم يعلمون ذل هؤلاء ولذلك رفعوا شعارا قديما يقول"جوع كلبك يتبعك" ، وإن أردت معرفة ذلك فانظر لمراسيم الذل المسماة "بمراسيم الولاء والطاعة" التي يقدمها العرب الأقحاح في بعض الدول "المجاورة" (المجاورة زين ) ، وقد نظرت ساخرا عليهم وناقما من ذلهم لما سمعت أسمائهم وأقوالهم! وقد عرفت من أسمائهم أنهم أحفاد الجاهلي الشجاع فلان بن فلان، وإذا أقوالهم أقوال يأنف أن يقولها عبد من عبيد جدهم! وهم لا يرضون هذا الذل في قناعاتهم الداخلية ولذلك وجدوا مخرجا باسم الإسلام وهو "طاعة ولي الأمر" حتى يبرروا أن ذلهم سببه الإسلام.
وبعد ذلك علمت فعلا لماذا ذل الإسلام! وأدركت خطورة الهوان على مستقبل الإسلام! وأدركت أن الحكام يريدون الشعوب غنما هم رعاتها، وفقهت أننا إن أردنا أن ننهض بإسلامنا فإن علينا أن نعيد للعرب مفاهيم الكرامة والشجاعة والأنفة والتضحية والصدع بالحق، وأن نربي أبنائنا على الاستخفاف بالباطل وبالمبطلين ولو كانوا ملوكا وحكاما ، وأن نربيهم على أن الرقبة لا قيمة لها أمام الحقائق ، ونحن إن أنشأنا جيلا على تلك المبادئ فسننهض بإسلامنا، وأما الجيل الحالي فقد تشرب العبودية وعفا عليه الزمن، فليذهب لمزبلة التاريخ..!
مع تحياتي .. المحامي

الخميس، 3 ديسمبر 2009

جاهلية القرن الواحد والعشرين




عندما نذكر لفظ الجاهلية فإن أول ما يتبادر للعقول البسيطة هو صورة فترة زمنية كانت قبيل البعثة النبوية تتمثل بأشخاص يعبدون أصناما فقط وأن ما غير ذلك لا يعتبر جاهلية ، وهذه النظرة لا ريب بخطئها بالكلية إذ أن ما ذكرناه ليس هو تعريف الجاهلية انما هو صورة من صور الجاهلية وحسب ، ولذلك فإنه يجب على المسلم أن يعرف الجاهلية وصورها حتى لا يكون جاهليا من دون أن يعلم ، ولذلك قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- كلمته الخالدة:" تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " ، والمشكلة الاعظم أنه قد ولد في الإسلام من لا يعرف الجاهلية!.

إن لفظ الجاهلية في الإسلام لفظ واسع ينطبق على:"كل ما يخالف شرعنا في أي زمان ومكان" وهذا ما يوجب استحالة إحصاء صور الجاهلية لأنها في تطور دائم، إلا أنه يمكن للباحث أن يذكر أشهر تقسيم للجاهلية المتمثل بستة أقسام، تندرج تحتها صور كثيرة ، وسأسقط الأقسام على واقعنا لنعلم هل نحن نعيش في جاهلية بالرغم من دخولنا بالقرن الواحد والعشرين أم لا؟!.. وأشهر تقسيم ، هو:-

1- الجاهلية العقائدية: ومن صورها ما صرح به القرآن الكريم عند قوله تعالى:"وتظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية" وهو مجرد الظن أن الإسلام لن تقوم له قائمة ، والجاهلية العقائدية تشمل كل انحراف عقدي عن الإسلام أيا كان ،سواء كان انحراف ملة كأهل الكتاب، أو انحراف مذهب كالرافضة ، أو انحراف فكر كالليبرالية، أو انحراف هوى كرفض الحاكمية . والانحرافات قد يفسق مرتكبها فسقا أكبر فيخرج من الملة الإسلامية وقد يفسق فسقا أصغر فلا يخرج من الملة، وكل ذلك يكون على حسب نوع الإنحراف، وكله جاهلية.


جاهلية عقدية




2- الجاهلية التشريعية:وهي ما صرح بها القرآن الكريم عند قوله تعالى:"أفحكم الجاهلية يبغون" ، وهذه الجاهلية تنطبق على كل القوانين الوضعية وعلى مشرعيها والمتحاكمين لها، وتصل هذه الجاهلية لدرجة إخراج من وقع فيها من الملة لأن الله عز وجل قال:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ، ولقوله تعالى:"يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" وكل القوانين الوضعية تتمثل بصورة الطاغوت الذي يجب على الشخص أن يكفر به وإلا فهو كافر لأن الطاغوت هو كل ما يعبد من دون الله-عز وجل-، وبالتالي فإن النتيجة المنطقية أن من لم يكفر بما يعبد من دون الله -عز وجل- فهو كافر بالله.
جاهلية تشريعية



3- الجاهلية السياسية: ومن صورها الحالية النظام القائم على توارث السلطة وعبودية الأمة لها مع سعي الكثير من أبنائها لإسقاط الشرعية على تلك السلطة وباسم الدين، فأي دين هو ذلك الدين الذي يقر الذل والتبعية لطبقة؟!كفاكم كذبا على الإسلام!

جاهلية سياسية



4- الجاهلية الإجتماعية: ومنها قوله تعالى:"إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" ، وهذه الجاهلية تتمثل بأمور، منها الطبيقية بين الناس سواء كانت بالحسب أو النسب أو المال أو الوظيفة أو الجنسية، ولعل الجاهلية الإجتماعية في وقتنا ينظمها القانون كتفريقه بين الجنسية الأولى وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدساتير تناقض ذلك بنصها على مبدأ المساواة، فأي مساواة تلك التي جعلت طبقة لا هوية لهم وهم البدون؟!

جاهلية اجتماعية



5- الجاهلية الإقتصادية: ومن أشهرها الربا، ولعلك إن خرجت من باب الحرم المكي ونظرت إلى ما يقابله من بنوك تتعامل بالربا أدركت أن الجاهلية في أمتنا قد وقعت حتى في الحرم المكي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السلطات التي تدعي اسم الدولة الإسلامية هي التي تنظم تلك البنوك، فأي اسلام هو ذاك الإسلام الكاذب الذي ينظم للجاهلية باسم دولة الإسلام؟! كفاكم كذبا وخداعا!

جاهلية اقتصادية



6- الجاهلية الأخلاقية:ومن صورها قوله تعالى:"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" ، والتبرج قبل البعثة كان مجرد خروج المرأة بشيء من التطيب أو التجمل، ولعل من يخرج في وقتنا لأقرب سوق استهلاكي يدرك أن الجاهلية الأخلاقية اليوم أشنع بكثير من جاهلية قبيل البعثة!.

جاهلية أخلاقية



*الختام:بعد أن استعراضنا أشهر أقسام الجاهلية وبعض صورها فإنه لا بد للعاقل أن يدرك أن الأمة اليوم تعيش في جاهلية فاقت بعض صور جاهليتها ما قبل البعثة، لكن السؤال المطروح: هل ما زال البعض يشكك بوجود جاهلية لأننا بالقرن الواحد والعشرين؟! إنني لا أتردد بالقول أن ذلك لا يقوله إلا من أصيب بجنون أو عته يستلزم إقامة الحجر عليه!.




*ملاحظة: هذا المقال نشرته في جريدة الحركة بتاريخ 5-3-2008

مع تحياتي .. المحامي